◄يساهم الصيام بصناعة التقوى - كلٌّ بحسبه - بمعناها المتقدّم سواء على المستوى الفردي أو المجتمعي، ونخصّ بالذِّكر هنا النقاط التالية:
1- السيطرة على الأهواء في شهر رمضان حيث الأجواء أكثر إتاحة والراحل إليه قريب المسافة، والانتصار في معركة الجهاد الأكبر في لحظةٍ أيدي الشياطين مغلولة وأبواب النيران مغلقة أكبر أملاً وفرصةً، فالصوم يساهم في الفوز في هذه المعركة التي هي حقيقة التقوى.
2- الربط بين أهوال يوم القيامة والجوع والعطش، وإلّا فماذا ينتفع الصائم بصومه ما لم يتذكّر أهوال يوم القيامة، وما لم يكن هذا التذكّر معبراً لفعل الخيرات والإحجام عن الأفعال التي نهى الله عنها؟
بل إنّ هذا الجوع والعطش كما تشير الروايات ليس سوى حالة ظاهرية تقودك إلى ما هو أبعد من ذلك من الأبعاد النفسية والروحية.
3- إنّ الأداء الجماعي لهذه الفريضة يترك أثراً بالغاً في النفس، فتماماً كما أنّ الجوّ الجماعي للمعصية يشجّع المرء على استسهال ارتكابها ويخفّف في نفسه الورع والاجتناب عنها فكذلك فإنّ الجوّ الجماعي للعبادة يساهم في تقوية أدائها بأفضل صُوَرها، فالإنسان بطبعه لا يأنس بفعلٍ ينفرد به أو لا يتفق مع الآخرين عليه، أمّا في الصوم فالجميع متساوون في هذا الجوع والعطش، وبالتالي فسوف يتضاعف سعي الإنسان لاغتنام فرصة أداء هذه الفريضة على مستواه الباطني ودون الاقتصارعلى الظاهر.
الآثار المترتبة على التقوى
التقوى في حقيقتها لها آثارمتعدّدة لكن يمكن اختصارها بمقام الولاية الحقّة لله تعالى، بحيث لا يكون بينه وبين الله حجاب، ويصبح مولى لله تعالى، والله وليه، والقرآن الكريم أبان الآثار المترتبة على التقوى نذكر أهمّها:
الأوّل- الفوز يوم القيامة:
قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ (المائدة/ 65). فالصوم باب إلى التقوى التي بدورها باب لتكفير السيِّئات والفوز بجنات النعيم في الآخرة.
الثاني- التقوى غاية العبادة:
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة/ 21). فالتقوى التي جعلها الله غاية العبادات جعلها في مكانٍ آخر غاية الصيام، وهذا يعني أنّ عبادة الصوم من العبادات الاستثنائية على مستوى صناعة باطن الإنسان وبناء سريرته وتخليصه من شوائب ما علق على أطراف قلبه ونفسه.
الثالث- البشرى في الدُّنيا والآخرة:
قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (يونس/ 63-64). فالتقوى بصريح القرآن نعيم في الدُّنيا والآخرة، وقد استخدم الله التعبير نفسه في الدُّنيا والآخرة وهو (الْبُشْرَى)، ليدلّل على عظيم البركات لهذه المنقبة والتي أطلق الله على مجموعهما تعبير (الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، وهل بعد ذلك مقام وشأن ورفعة يبلغها المرء ببركة الصيام؟
الرابع- قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ (المائدة/ 27):
وهذا من أعظم بركات التقوى حين تصبح هذه الأعمال مقبولةً عند الله فلا يستصغر الإنسان عملاً بعد قبوله ولا يمتنع أو يتلكّأ عن عملٍ ما دام مقبولاً، وهذا من أكبر الغايات التي ننشدها جميعاً في أعمالنا التي ننظر إليها دائماً بعين الخوف من أن تكون غير محرزة لرضى الله وقبوله.
الخامس- العناية الإلهيّة:
فالإنسان التقي يبقى في عين الله بحيث لا تُسد عليه كافّة أبواب حياته المادّية والمعنوية، فيُهيِّئ الله تعالى له المخارج من حيث لا يحسب وييسّر له أبواب الرزق من حيث لا يحتسب، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ (الطلاق/ 2-3).►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق